إيقاف زيادة الوزن في أثناء الحجر الصحي بسبب وباء كوفيد-19

شهد العالم خلال جائحة كوفيد-19 تغيرات جذرية في أنماط الحياة اليومية، وكان للحجر الصحي دور محوري في فرض نمط معيشي جديد قلّت فيه الحركة، وتزايد فيه الاعتماد على الأطعمة المصنعة، إلى جانب القلق النفسي العام الذي أسهم بدوره في تغير العادات الغذائية لدى الأفراد. فخلال فترات العزل المنزلي، كان من الطبيعي أن يجد كثير من الناس أنفسهم يكتسبون وزناً زائداً نتيجة لتغير سلوكيات التغذية، وقلة النشاط البدني، وزيادة معدلات التوتر والاكتئاب. وفي هذا السياق، يبرز التساؤل حول السبل العلمية والعملية التي يمكن اتباعها لإيقاف هذه الزيادة في الوزن واستعادة نمط حياة صحي ومستقر، خاصة في ظل استمرارية بعض آثار الجائحة على المدى الطويل.

التغيرات السلوكية المرتبطة بالحجر الصحي

خلال فترات الإغلاق التام، تغيرت أولويات الناس اليومية. فقد انخفضت الحاجة إلى الخروج من المنزل، وتقلصت الحركة الجسدية حتى لدى من كانوا ملتزمين بروتين رياضي منتظم. إلى جانب ذلك، لعب القلق المرتبط بالوباء دورًا رئيسيًا في تغيّر السلوك الغذائي. ووفقًا للعديد من الدراسات الصادرة عن مراكز البحوث الصحية مثل Harvard T.H. Chan School of Public Health، فإن الإقبال على تناول الطعام العاطفي (Emotional Eating) كان من أبرز السلوكيات المنتشرة، حيث لجأ الناس إلى الأكل كوسيلة للهروب من الضغوط النفسية.

دور الغذاء في زيادة الوزن خلال الحجر

اعتماد الأطعمة المصنعة والغنية بالسعرات الحرارية والدهون المشبعة والسكريات كان عاملاً مؤثراً في زيادة الوزن. ساهم توفر خدمات التوصيل ووسائل الراحة المنزلية في جعل تناول الوجبات الجاهزة أكثر سهولة من أي وقت مضى. كما أن الطهي المفرط داخل المنزل، في ظل غياب النشاط البدني، زاد من نسب تناول الطعام الزائد عن الحاجة. وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية أن هناك علاقة وثيقة بين الإفراط في تناول السعرات الحرارية وغياب التوازن الغذائي وبين تزايد معدلات السمنة خلال الجائحة.

التأثير النفسي والهرموني على الوزن

لا يمكن إغفال الأثر النفسي المرتبط بالحجر الصحي، فالتوتر المزمن يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، الذي بدوره يرتبط بزيادة الشهية، خصوصاً للأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والدهون. ومن المعروف علميًا أن الكورتيزول يعزز تخزين الدهون في منطقة البطن تحديدًا، ما يجعل من زيادة الوزن في هذه المنطقة أمرًا شائعًا خلال فترات القلق الطويلة.

العوامل البيئية ودورها في السمنة أثناء الحجر

البيئة المحيطة خلال الحجر الصحي لعبت دورًا سلبيًا في تعزيـز الكسل وقلة الحركة. فقد اقتصرت الحركة على التنقل بين الغرف أو الجلوس أمام الشاشات لساعات طويلة، سواء للعمل عن بعد أو الترفيه. كما أدى إغلاق النوادي الرياضية والحدائق العامة إلى تراجع معدلات النشاط البدني. هذا الانخفاض الحاد في الحركة تسبب في تقليل استهلاك الجسم للطاقة، ما ساعد في تراكم الدهون.

خطوات عملية لإيقاف زيادة الوزن خلال فترات العزل

لتجنب الاستسلام للظروف المحيطة، كان من الضروري تبني إجراءات مدروسة للتحكم في زيادة الوزن، وتتمثل هذه الخطوات في محورين رئيسيين: تعديل النمط الغذائي، ورفع مستوى النشاط البدني داخل المنزل.

أولًا: تعديل النمط الغذائي

• وضع خطة غذائية يومية: تتضمن تحديد أوقات الوجبات، والكميات، والحرص على تناول وجبات متوازنة تحتوي على البروتينات، الألياف، والدهون الصحية.

• تقليل الأطعمة المصنعة: مثل رقائق البطاطس، المشروبات الغازية، والحلويات، واستبدالها بالفواكه والخضراوات الطازجة والمكسرات الطبيعية.

• التحكم في الكمية: من خلال استخدام أطباق صغيرة الحجم، وتجنب الأكل مباشرة من العبوة.

• شرب الماء بانتظام: بما لا يقل عن 2 لتر يوميًا، لأن الجفاف قد يحفز الشعور بالجوع.

• تجنب تناول الطعام أثناء مشاهدة الشاشات: حيث أن هذا السلوك يرتبط بالإفراط في الأكل دون وعي.

ثانيًا: رفع مستوى النشاط البدني في المنزل

• الالتزام بروتين رياضي منزلي: حتى لو كان بسيطًا، كالمشي داخل المنزل أو تمارين المقاومة باستخدام وزن الجسم.

• استخدام التطبيقات الرياضية: التي تقدم تمارين متدرجة ومتنوعة دون الحاجة لمعدات خاصة.

• تنظيم أوقات الجلوس: بتحديد فواصل للحركة كل ساعة، خصوصًا عند الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات.

• ممارسة أنشطة بدنية ترفيهية: مثل الرقص أو اليوغا أو حتى تنظيف المنزل بوتيرة سريعة.

جدول يوضح المقارنة بين العادات الصحية وغير الصحية في الحجر الصحي

أهمية التوازن النفسي في السيطرة على الوزن

الصحة النفسية عنصر محوري في إدارة الوزن، ووجود توتر مزمن أو شعور بالضيق له أثر مباشر على اختلال العادات الغذائية. من هنا، تبرز أهمية تطوير استراتيجيات للتهدئة النفسية والتعامل مع الضغوط بشكل صحي. ومن هذه الاستراتيجيات:

• ممارسة التأمل: يساعد في تقليل إفراز الكورتيزول وتحسين المزاج العام.

• الاحتفاظ بمذكرات يومية: لتفريغ المشاعر السلبية بطريقة بنّاءة.

• التواصل مع الآخرين: حتى وإن كان افتراضيًا، لتخفيف الشعور بالعزلة.

• الاستماع للموسيقى الهادئة أو قراءة الكتب لتقليل مستويات القلق.

أثر النوم على الوزن خلال فترات العزل

النوم الجيد أحد العوامل المهملة والتي تؤثر بشكل مباشر على عمليات الأيض والتحكم بالشهية. فالأفراد الذين ينامون عدد ساعات أقل من الموصى به (7-8 ساعات يوميًا) يتعرضون لزيادة في هرمون “الجريلين” (Ghrelin) المحفز للجوع، وتناقص في هرمون “اللبتين” (Leptin) المسؤول عن الشبع. ومن ثم، فإن تحسين جودة النوم يُعدّ إجراءً حيويًا ضمن خطة إيقاف زيادة الوزن.

تبني نمط حياة صحي طويل الأمد

ليس الهدف فقط هو التحكم في الوزن خلال فترات الأزمات، بل تحويل هذا التوازن إلى نمط حياة دائم ومستقر. إن ترسيخ العادات الصحية في الحياة اليومية هو ما يجعل الإنسان قادرًا على التعامل مع الظروف الاستثنائية بأقل ضرر ممكن. ولذلك، من الضروري تبني ثقافة الوعي الغذائي، وممارسة الرياضة كجزء من الحياة وليس استثناءً، وتعزيز الوعي النفسي الذاتي.

دور العائلة والمجتمع في دعم السلوكيات الصحية

الحياة الأسرية لها تأثير مباشر على العادات الصحية لكل فرد. فحين تتبنى العائلة نمطًا غذائيًا واعيًا، فإن ذلك يشجع الأفراد، كبارًا وصغارًا، على الالتزام. كما أن المشاركة في إعداد الوجبات، وممارسة النشاط البدني الجماعي، وتبادل الدعم النفسي، يسهم في بناء بيئة داعمة للسلامة الجسدية والنفسية.

الخاتمة

لقد أبرزت تجربة الحجر الصحي أهمية نمط الحياة الصحي ودوره الحاسم في مواجهة الأزمات الصحية العالمية. فزيادة الوزن خلال فترات العزل ليست نتيجة حتمية، بل يمكن الوقاية منها والسيطرة عليها من خلال استراتيجيات غذائية ونفسية وبدنية فعالة. ويتطلب الأمر وعيًا عميقًا وإرادة حقيقية للتغيير، مع اعتبار هذه المرحلة فرصة لإعادة بناء العادات الحياتية على أسس صحية متينة.

المراجع:

• Harvard T.H. Chan School of Public Health – Nutrition Source

• World Health Organization – Healthy Diet Factsheet